أن يشعر الجمهور الكبير لفريق «باب الجديد» بالضّيق الشّديد، والقلق على مستقبل البطل «الجريح» فهذا يعني بلغة المنطق أن الآلاف من أبناء هذا البلد إن لم يكن الملايين أصابهم الأرق...
ليس من المبالغة في شيىء إذا قلنا إن نجاحات واخفاقات وأزمات النادي الافريقي تؤثر في الإعلام وفي اقتصاد البلاد. وتحدّد مزاج شقّ كبير من التونسيين الذين يتنفّسون عشق الأبيض والأحمر، وفيهم الدكتور والطيّار والبحّار والفلاّح والنجّار والأستاذ والمعلّم ورجل الأعمال و»البطّال» الذي لا يملك من متاع الدّنيا الفانية سوى حبّ «الغالية»...
إن الأمر لا يتعلّق بفريق طيّب الأعراق، وشهرته تجاوزت الآفاق، وحبّه يستولي على قلوب وعقول الملايين في العاصمة، وتونس الأعماق وفي كلّ المناطق من بنزرت إلى بن قردان، وإنما المسألة تهمّ مؤسسة وطنية ورياضية وتربوية عريقة أطفأت بكلّ فخر واعتزاز منذ أشهر معدودة شمعتها الـ 95. لقد رفض مؤسسو النادي الكبير «الوصاية» الفرنسية. وقاوموا الاستعمار بالرّياضة. وتمسّكوا بالهويّة التونسية. وقاتلوا من أجل تثبيت النّجمة والهلال على صدور «أسود» «باب الجديد» في يوم مشهود من شهر عالق في الأذهان من عام عصيّ عن النسيان وراسخ في الوجدان (4 أكتوبر 1920).
قضية وطنية
لا جدال حول الدور البارز للأفارقة في دعم الحركة الوطنية في الفترة الاستعمارية، وتحقيق نجاحات استثنائية في كلّ الحقبات الزمنية، وتحطيم الأرقام القياسية، وتكوين الجواهر الكروية، وتموين المنتخبات الوطنية بأمهر وأشهر العناصر، وأيضا الحصول على رباعية تاريخية ظلّت حديث النّاس في المجالس، ومبعث فخر للأجيال المتعاقبة. وقد تعجز بقيّة أنديتنا التونسية عن الاتيان بمثلها...
إن الحديث عن الافريقي يعني منطقيا أن نتكلّم عن فريق كبير، وشاهد على عصر بأكمله، فهو قلعة النّضالات، ومسرح الأحلام والبطولات المحلية والاقليمية والقارية والعابرة للقارات، وفي كلّ الاختصاصات. والأمر يتعلّق بركح الابداعات والانجازات، ومعقل الرّجال والأبطال أمثال الراحل الطّاهر الشّايبي الذي غادرنا دون أن يترك خليفة جدير بمركزه شأنه في ذلك شأن الفنّان ومرافقه إلى جنان الفردوس إن شاء الله محمّد صالح الجديدي... ولن ننسى طبعا الأبطال الأحياء وهم أيضا أشهر من نار على علم على غرار الهدّاف الكبير الهادي البيّاري والمنصف الخويني وكمال الشبلي ونجيب غميض وأبناء الرويسي والسليمي والقائد وبن سمير والصّانع ... وغيرهم كثير في كلّ الاختصاصات والرياضات. ولن نغفل عن «الأسطورة» الحيّة «عتّوقة» الذّي قد يختزل بمفرده تاريخ الكرة التونسية بالنّظر إلى انجازاته العظيمة، وبصمته الواضحة في الـ»دربيات» تماما مثل «امبراطور» الجلد المدوّر في الخضراء والقارة السمراء طارق ذياب، وهو الوزير «المكشّخ» الذي زار مركب المرحوم منير القبائلي. وصاح بأعلى صوت: لا صلاح ولا فلاح ولا نجاح للكرة التّونسية دون نهوض الافريقي...
وبناء على ما تقدّم وهو قليل في حقّ الفريق العريق بل هو بمثابة قطرة في محيط، نقول إن الأزمة الحالية للنادي صاحب الشّعبية الجارفة «قضية وطنية». وتتطلب هبّة جماعية. إن جمهور «الغالية» يشعر بالاحباط بعد انهيار البطل وضياع حلم رابطة الأبطال، لكن ذلك لا يعني السّقوط في فخّ التهويل، وتضخيم الأمور بطريقة توحي بأن الفريق يسير على سكّة الانحطاط. إن التاريخ وهو لا يكذب حافل بسير الجمعيات التّونسية والعالمية التي مرّت بأزمات استثنائية، ونجاحها في التدارك رغم أنها كانت أكثر حدّة من المشاكل الحالية للـ»غالية». ولاشكّ في أن الافريقي يملك كلّ المؤهلات الضرورية للخروج في أقرب الآجال من قلب العاصفة، غير عابىء بالاستفزازات الجانبية والمزايدات «الصّبيانية» التي تصدر بين الحين والآخر من الجاهلين بتاريخ الجمعية، وثقلها في خريطة الكرة التونسية بل في خريطة الجمهورية.
مسؤولية تاريخية
الآن لا وقت لتبادل الاتهامات بين أهل الدار، والحديث عن غياب الاستراتيجية، والبحث عن أسباب ومسبّبات الأزمة الحالية، والحديث عن «ديكتاتورية» سليم الرياحي وكأن جامعتنا أو بقية جمعياتنا الكبيرة تعيش في واحة «الديمقراطية». اليوم بلغ السيل الزبي، ولا وقت لـ»بكائيات» بسّام المهري واختزال مشاكل الأفارقة في خروج المدير الرياضي منتصر الوحيشي. ولا مجال للتشكيك في اللاّعبين بطريقة «كاريكاتورية» كتلك التي صوّر بها خالد التواتي أداء فاروق لن مصطفى... وليس الوقت مناسبا للاستقالات والانسحابات والمزايدات على حبّ الجمعية في هذه الفترة المفصلية التي يحتاج فيها الفريق لكافة أبنائه للدخول في وحدة «صمّاء» إلى حين انهاء العناء.
إن الافريقي في أمس الحاجة لشعبه العظيم ليقف وقفة رجل واحد كما عهدناه في التتويجات والأزمات، وذلك في سبيل استرجاع الثقة المهزوزة، واستعادة الهيبة المفقودة، ومواصلة العمل دون كلل لإعادة البناء، والبحث من جديد عن سكة الانتصارات والتتويجات التي تظلّ مهمّة في مشوار النادي، والأهمّ أن يبقى البطل شامخا صامدا في وجه الرياح والعواصف.
ومن واجب «كبار» الفريق أن يتحرّكوا. ويتحملوا مسؤوليتهم التاريخية لتطويق الأزمة الحالية. ولاشكّ أن الافريقي في حاجة إلى الثقل المعنوي والمادي لبوصبيع وبن عمّار، وأيضا لحكمة إيدير، ولجهد الثابتي والمهري ومعارف الوحيشي... ومجهودات كلّ غيور على مصلحة الجمعية، وكلّ راغب في مساعدتها على النّهوض ولو بالكلمة الطيّبة، وذلك أضعف الإيمان.
ومن واجب الجامعة أن تمدّ يدها للجمعية التي قد نعجز عن احصاء اللاّعبين الذين أهدتهم للـ»نسور» في كلّ العصور، والتي قدّمت للجامعة السيد حمّودة بن عمّار الذي قاد تونس للقبض على التاج الافريقي للمرّة الأولى في تاريخها.
نحن على يقين من أن «شعب» فريق «باب الجديد» الذي يفوق التصوّر من حيث العدد، والصّبر على الشدائد سيهبّ كعادته لمساعدة جمعيته على تجاوز أزمتها، واخماد «ثورة» محبيها، وإعادة الاستقرار لقلعة النّضال والأبطال.
والأسد أسد وإن كلّت مخالبه.
آخر اخبار النادي الافريقي
4/
5
Oleh
Hamma01